
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في اجتماعها الأخير بنيويورك إعلاناً تاريخياً هو إعلان نيويورك الذى يعيد طرح حل الدولتين كخيار استراتيجي لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بإجماع دولى وصف بأنه من أهم اللحظات السياسية والدبلوماسية منذ سنوات لدعم الحقوق الفلسطينية.
والإعلان جاء بعد مؤتمر دولي رفيع المستوى استضافته نيويورك برعاية مشتركة بين فرنسا والسعودية وبمشاركة واسعة من الدول الأعضاء والمنظمات الدولية والإقليمية وركز على وضع إطار عملي وزمني وملزم سياسياً للمجتمع الدولي من أجل إنهاء الصراع عبر إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل في أمن وسلام مع الاعتراف المتبادل.
وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع الفعلي (142 صوتاً مؤيداً و١٠ معارضة، 12 ممتنعاً والمؤسف أن هناك من الممتنعين دولًا عربية وإسلامية.
ولكن رغم هذا الدعم الدولي الواسع فإن إسرائيل والولايات المتحدة وبعض الحلفاء اعتبروا القرار مجحفاً أو ضاراً بالجهود الدبلوماسية ورفضوه وكانت النتيجه غارات وهجوم على أهالى غزة وقتل العديد من الشعب الأعزل.
وينص (إعلان نيويورك) على تحديد خطوات ملموسة محددة زمنياً ولا رجعة فيها نحو حل الدولتين ويدعو لإعتماد دولة فلسطينية مستقلة تحت آليات دولية ودور للسلطة الفلسطينية، والإعتراف بدولة فلسطين المستقلة كأساس لحل الدولتين على حدود 1967، وشرق القدس كعاصمة، بالإضافة إلى كف يد حماس عن غزة، حيث يطالب بانتهاء حكم حماس في غزة، وتسليم السلاح إلى السلطة الفلسطينية تحت إشراف دولي وإقامة حكومة فلسطينية موحدة خالية من حماس والمنظمات المسلحة، مع تعيين بعثة دولية مؤقتة لضمان حماية المدنيين واستقرار المسار الإنتقالي.
وأيضًا حرص الإعلان على توجيه إدانة مزدوجة من خلال إدانة هجمات 7 أكتوبر مع الإعتراف بالأزمة الإنسانية الكبيرة في غزة، والتي حدثت من خلال الهجمات الإسرائيلية الواسعة التي طالت المدنيين والبنية التحتية، وفرضت حصاراً خانقاً أدى إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة داعيًا إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، والإفراج عن الأسرى وإنهاء كل الهجمات على المدنيين والمنشآت المدنية.
ومن جهه أخرى طالب بوقف الاستيطان والضم ومصادرة الأراضي وكل المشاريع التي تغيّر الوضع القانوني أو الديموغرافي للأراضي المحتلة، بما في ذلك في القدس الشرقية، وأكد على احترام الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية والحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي لها، ومنع اعتداءات المستوطنين واتخاذ إجراءات ضد الجهات الداعمة للاستيطان غير القانوني، كما دعا إلى رفع القيود عن الحركة والوصول داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتمكين الاقتصاد الفلسطيني من العمل بحرية وإعادة أموال الضرائب المحتجزة للسلطة الفلسطينية وضمان إدماج النظام المالي الفلسطيني في النظام الدولي بما يسمح باستقرار المعاملات البنكية والمالية.
وقد رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية بالتصويت ووصفت النتائج بأنها خطوة محورية ونتيجة ملموسة للمؤتمر الدولي الرفيع الذي جرى في نيويورك، ودعت الدول الأعضاء إلى الضغط على إسرائيل القوة المحتلة لإيقاف العدوان، ووقف استخدام الجوع كوسيلة حرب ووقف التهجير، وإطلاق سراح الأسرى والرهائن؛ مع ضرورة تفعيل جميع الآليات المتاحة لإنهاء الاحتلال الاستعماري، وتحقيق الحقوق الفلسطينية المشروعة، وضمان أن يكون حل الدولتين هو المسار الوحيد المقبول للسلام في ظل الجرائم والمستوطنات المستمرة.
أما سفير فلسطين فى مصر دياب اللوح فقال: إن اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة (إعلان نيويورك) يجدد التأكيد على الدعم الدولي الواسع لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة الوطنية على خطوط الرابع من يونيو عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية جنبًا إلى جنب مع دولة إسرائيل ودول المنطقة والعالم.
مؤكدًا على أن القرار يقطع الطريق على كل المحاولات اليائسة لإجهاض هذه المبادرة أو تعطيل انعقاد المؤتمر الدولي المقرر في 22 سبتمبر الجاري في نيويورك، وشدد على أن الإرادة الدولية باتت حاسمة بالمضي قدما في تنفيذ رؤية حل الدولتين، وأن القرار الأمريكي بعدم منح تأشيرات للمسئولين الفلسطينيين لحضور المؤتمر لن يلغي انعقاده وهو قائم في موعده.
أما بالنسبة للقرار الأممي فيعكس حجم التغيير الملموس في الموقف الدولي خاصة لدى العديد من الدول الأوروبية المؤثرة، ويعبر عن نجاح الدبلوماسية الفلسطينية والعربية وتجلي الإرادة الدولية لإنهاء الصراع الإسرائيلي وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة.
كما جاءت ردود أفعال الدول واسعة ومعبرة عن مرحلة سياسية جديدة، قد تجنى بعض الثمار، فقد أصدرت مصر بيانًا أكدت فيه على أن تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة لإعلان نيويورك يُعد دليلًا قطعيًا على دعم دولي واسع للحقوق الفلسطينية خصوصًا حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وإقامة دولة مستقلة على خطوط الرابع من يونيو 1967 مع القدس الشرقية عاصمة لها.
ودعت مصر جميع الدول التي دعمت القرار إلى التحرك من أجل تنفيذ نتائج المؤتمر، واستعادة المسار السلمي للعملية السياسية الشرق أوسطية، ووضع حد لسياسات العدوان الإسرائيلية مستخدمة الحصار أو التجويع كأدوات للضغط على الفلسطينيين.
وقال البيان إنه لا يمكن تحقيق الهدف إلا من خلال وقف سريع لإطلاق النار في غزة ووقف كل الانتهاكات الصارخة الإسرائيلية، مع رفض أي محاولة لتغيير ديموغرافية الأرض الفلسطينية القسرية أو ترحيل الشعب الفلسطيني تحت أى مسمى.
وقال وزير الخارجية السعودى الأمير فيصل بن فرحان إن الوثيقة تشكل إطارًا عمليًا متكاملًا لحل الدولتين، وإن المملكة ترفض إقامة أي تطبيع دبلوماسي مع إسرائيل بدون قيام دولة فلسطينية مستقلة.
وبالنسبة للمنظمات فأكدت الجامعة العربية عبر المتحدث الرسمي للأمين العام جمال رشدي وصفت الخطوة بأنها لحظة تاريخية تستحق البناء عليها، مؤكدة أنها ستتابع مع الأمم المتحدة وضع آليات متابعة حقيقية لضمان ألا يبقى الإعلان حبراً على ورق، مع التأكيد على التأييد الكامل لتبنى الإعلان، واعتباره خطوة تاريخية تصون الحقوق الفلسطينية، وأنه يعطي الشرعية الدولية لمسار دولة فلسطينية، ودعت إلى أن يكون هناك تنسيق عربي رسمي لتطبيق بنود الإعلان، والتزام الدول العربية الأعضاء بالجامعة بتحمل مسؤولياتها الدبلوماسية والسياسية تجاه التنفيذ.
وأيضا رحبت منظمة التعاون الإسلامي بالإعلان واعتبرته انتصارًا لإرادة المجتمع الدولي وشرعية نضال الشعب الفلسطيني، ودعت إلى حشد الموارد السياسية والاقتصادية لدعم تطبيقه على الأرض.
وعلى المستوى الدولى أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية بيانًا وصفت فيه الحدث بأنه تاريخي، ويعكس عزم المجتمع الدولي على الالتزام بخارطة طريق طموحة للسلام والأمن في المنطقة خصوصا الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة؛ مع إطلاق جميع الرهائن وتحقيق دولة فلسطينية ذات سيادة وقابلة للحياة.
كما أعلنت أسبانيا حرصها على دعم الدولة الفلسطينية، والتأكيد على تحويل النتائج إلى إجراءات ملموسة مثل الاعتراف بدولة فلسطين.
وكذلك أيرلندا التى كانت من أولى الدول التي وقعت على البيان في مؤتمر نيويورك، حيث أعلن نائب رئيس الوزراء – وزير الخارجية الأيرلندي أن أيرلندا تشارك في البيان المشترك الذي يدعو لحل الدولتين، وإلى وقف إطلاق النار فوراً، ولإطلاق الأسرى وإنهاء الحصار وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة دون عوائق.
ومن جهة أخرى عبرت الحكومة التركية عن تأييدها للإعلان، ودعت إلى اتخاذ خطوات عملية لتنفيذ حل الدولتين وشددت على ضرورة أن تكون الدولة الفلسطينية المستقلة قائمة على حدود 1967، مع القدس الشرقية عاصمة لها، وأن توحيد غزة مع الضفة يكون تحت سلطة فلسطينية موحدة، ومن ضمن التزاماتها أن عملية تسليم الأسلحة من الفصائل المسلحة يجب أن تكون ضمن شروط واضحة ضمن الاتفاقات المُنفذة.
كما أكدت الدول لأخرى التى صوتت بالموافقة على أن التزامها بإلإعلان لا يقتصر على التصريحات فقط، بل على العمل على استدامة الحل السياسي ومن ضمن ما عبروا عنه ضرورة بناء آليات للمساءلة، ومنع أي محاولات لاستغلال الأوضاع الإنسانية لتكريس الاحتلال أو التوسع في الاستيطان.
وعلى الجانب الآخر جاء الموقف الإسرائيلي رافضاً بشدة حيث اعتبرت الحكومة أن الإعلان يمثل محاولة لفرض حلول أحادية الجانب، وأنه يتجاهل المخاوف الأمنية لإسرائيل ويعطي جوائز للإرهاب، كما أبدت الولايات المتحدة تحفظات إذ رحبت بالمسار الدبلوماسي، لكنها شددت على أن أي حل يجب أن يأتي بالتفاوض المباشر بين الطرفين، ورفضت ما وصفته بمحاولات عزل إسرائيل في المحافل الدولية.
وأخيرًا لا شك أن هذا التباين بين التأييد الدولي والرفض الإسرائيلي – الأمريكي يضع القضية الفلسطينية أمام اختبار جديد؛ حيث إن نجاح الإعلان يتوقف على وجود آلية تنفيذ واضحة وضمانات دولية ملزمة، وإلا سيلحق بمصير اتفاقيات سابقة لم تُنفذ.
فالإعلان رغم كونه غير ملزم قانونياً من الناحية الصارمة، إلا أنه يمثل ضغطاً سياسياً ومعنوياً كبيراً على الدول الأطراف، ويمكن أن يتحول مع الوقت إلى قاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي، إذا ما التزمت به الدول الكبرى وأصبح جزءاً من ممارساتها الدبلوماسية، ولا شك أن الكرة الآن في ملعب المجتمع الدولي الذي يستطيع عبر آليات مثل دعم السلطة الفلسطينية مالياً وإعادة إعمار غزة، وتشكيل بعثة مراقبة دولية أن يحول هذا الإعلان إلى واقع ملموس.
.وفى نفس الوقت فإن اتساع دائرة الاعتراف الدولي بفلسطين خاصة مع انضمام دول أوروبية جديدة سيزيد الضغط على إسرائيل، ويجعل عزلتها السياسية أكثر وضوحاً، وقد تشهد المرحلة المقبلة تحركات دبلوماسية مكثفة تقودها دول عربية وإسلامية بالتعاون مع شركاء أوروبيين من أجل تحويل الإعلان من مجرد وثيقة رمزية إلى خطة تنفيذية ذات جدول زمني محدد، وهو ما قد يفتح الباب أمام استئناف المفاوضات لكن يبقى التحدي الأكبر في ضمان التزام الأطراف كافة، بما يتم الاتفاق عليه وعدم السماح بانهيار العملية السياسية كما حدث في تجارب سابقة.
وفي المقابل فإن عدم متابعة الإعلان بإجراءات عملية سيؤدي إلى خيبة أمل فلسطينية، وربما إلى مزيد من التصعيد على الأرض، ولكن هل يمكن أن يحدث ذلك فى ظل الرفض والتعنت الإسرائيل خاصة بعد الهجوم الذى قام به على الدوحة مستهينًا بسيادة الدول، وكل القوانين والأعراف الدولية ؟!!
اكتشاف المزيد من جورنال أونلاين
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.