
بدعوة رسمية من الرئيس عبد الفتاح السيسي زار الملك فيليب السادس ملك اسبانيا مصر لمدة أربعة أيام، وحملت الزيارة أبعادًا متعددة سياسية واقتصادية وثقافية جسدت حرص مدريد على تعزيز الشراكة مع القاهرة وفتحت الباب أمام توقيع اتفاقيات مهمة في مجالات الطاقة المتجددة التعليم والاستثمار وغيرها.
وخلال زيارته، حرص الملك على التوجه إلى مقر جامعة الدول العربية ولقاء بأمينها العام أحمد أبو الغيط وهو ما حمل دلالة رمزية عميقة إذ عكست الخطوة مكانة القضية الفلسطينية في صدارة اهتماماته وحرصه على توجيه رسائل دعم مباشرة إلى العالم العربي.
البيان الصادر عن الجامعة العربية وصف المواقف الأسبانية تجاه فلسطين بأنها محترمة وشجاعة خاصة بعد قرار مدريد الإعتراف بدولة فلسطين وزيادة مساهماتها في موازنة وكالة (الأونروا ) ومساندتها لجهود الإغاثة الإنسانية للفلسطينيين.
كما حمل لقاء الملك الأسبانى مع الأمين العام دلالات واضحة ورسائل قويه. سواء للعالم العربى أو العالم ككل وتركزت المحادثات بشكل أساسي على الوضع في قطاع غزة حيث ثمن أبو الغيط الموقف الإسباني الداعم للحقوق الفلسطينية والرافض لممارسات الإحتلال مشيراً إلى أن اعتراف مدريد بدولة فلسطين يمثل خطوة تاريخية سيكون لها أثر عميق على الموقف الدولي.
ومن جانبه أكد الملك التزام بلاده بمبادئ حقوق الإنسان مشدداً على ضرورة وقف إطلاق النار فوراً، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين دون عوائق ودعم كل الجهود الدولية الرامية إلى إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني. مؤكدًا أن إسبانيا ستواصل دعمها لكل جهد دولي من أجل تحقيق السلام القائم على حل الدولتين.
وفي ختام اللقاء أعاد أبو الغيط التأكيد على أن الجامعة ستواصل العمل من أجل تنفيذ حل الدولتين وتجسيد الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق السلام العادل والشامل.
.وهذه المواقف الأسبانية الإنسانية العظيمة تجاه القضية المركزية للعرب بما تحمل من دلالات انسانيه وحقوقية وقانونية عادله وعظيمة تعيدنا إلى تاريخها العلاقات العربية الأسبانية وشكلها الحالي.
فقد شهدت هذه العلاقات تحولات مهمة في السنوات الأخيرة خصوصا بعد أن اتخذت مدريد خطوات رسمية تعكس وقوفها الدائم إلى جانب القضايا العربية بشكل عام وخصوصًا القضية الفلسطينية فإسبانيا لم تعد تكتفي بدعم لفظي في المحافل الدولية بل قامت بخطوة الاعتراف بدولة فلسطين رسميًا في 28 مايو 2024، وهو القرار الذي وصفه وزير الخارجية (خوسيه مانويل ألباريس) بالقرار الضروري والعادل وفي ضوء ما حصل من تطورات خلال العام من معاناة إنسانية وتصعيد؛ القرار جاء بناءً على التزام اسبانيا بالقانون الدولي وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
وقد تزامن الإعتراف الرسمي من جانب اسبانيا مع افتتاح سفارة فلسطين في مدريد وتبادل دبلوماسي رسمي يعكس أن الخطوة لم تكن رمزية فقط، بل تعني إعترافًا كاملًا بالكيان الفلسطيني كطرف في النظام الدولي مع الدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 والقدس الشرقية عاصمة لها.
وشاركت اسبانيا أيضًا بفعالية في المحافل الدولية الداعية لإنهاء الصراع والدفاع عن الحقوق الفلسطينية منها الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان حيث أبدت التزامًا بالدعوة إلى حل الدولتين ومطالبة بوقف الأعمال العدائية وتمكين وصول المساعدات الإنسانية والضغط على الأطراف المعنية لإحترام الشرعية الدولية.
ومن جهة أخرى هناك عدة أوجه تعاون بين العربية واسبانيا تتجاوز الدعم السياسي فهى تستثمر في التعاون التنموي مع الدول العربية من خلال مشاريع تتعلق بالطاقة المتجددة وإدارة المياه و البنية التحتية والتعليم. وقد وقعت مدريد مذكرات تفاهم أيضا مع فلسطين رغم الأوضاع المتدهورة في مجالات مثل الدعم المالي والمساعدات التنموية والتبادل الأكاديمي والثقافي وتعزيز العلاقات الشعبية.
بالإضافة إلى أنها تلعب أيضا دورًا وسيطًا أو جسرًا بين الدول العربية والدول الأوروبية في الدعوة إلى مؤتمرات سلام، وفي تنسيق مواقف لتشجيع الاعتراف بفلسطين بين المزيد من الدول الأوروبية ولإدخال القضية الفلسطينية في أولويات السياسات الخارجية الأوروبية.
أما بالنسبة لزيارة الملك فليب السادس لمصر بشكل عام فقد جاءت في توقيت حساس حيث تشهد المنطقة أزمات متعدّدة أبرزها العدوان على غزة والتوترات الإقليمية مما جعل القاهرة محطة مهمة للدبلوماسية الأوروبية مدفوعة برغبة اسبانيا في تعزيز دورها كوسيط إنساني وسياسي إلى جانب مصالحها الاقتصادية.
وقد جاءت الزيارة إستكمالًا للتفاهمات التي جرت خلال زيارة الرئيس السيسي إلى مدريد في فبراير الماضي، حيث التقى برئيس الوزراء ( بيدرو سانشيز) وتم الاتفاق حينها على فتح صفحة جديدة من التعاون الاستراتيجي على كل المستويات.
وشهد برنامج الزيارة لقاءات رفيعة المستوى بدأها الملك بمباحثات رسمية مع الرئيس السيسي في قصر الاتحادية تناولت سبل تعزيز التعاون في مختلف المجالات من الإستثمار والطاقة المتجددة إلى الأمن الغذائي وإدارة المياه، كما التقى العاهل الاسباني برئيسى مجلس النواب ومجلس الشيوخ في خطوة تعكس رغبة البلدين في تطوير التعاون البرلماني وتعزيز التفاهم التشريعي والمؤسسي، كذلك ضم الوفد الاسباني المرافق شخصيات بارزة مثل وزير الخارجية خوسيه مانويل ألباريس ووزيرة الدولة للتجارة ماريا لوبيز ما أضفى على الزيارة بعدًا عمليًا يعكس جدية مدريد في دفع العلاقات إلى الأمام.
وقد حملت الفعاليات طابعًا سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا متكاملًا حيث شارك الملك في افتتاح المنتدى الاقتصادي المصري- الاسباني، الذي جمع رجال أعمال ومستثمرين من الجانبين لبحث فرص التعاون في قطاعات النقل والطاقة والسياحة إضافة إلى مشاريع البنية التحتية الكبرى التي تسهم في تعزيز الاقتصاد المصري وجذب استثمارات إضافية، كما حرص الملك وزوجته على المشاركة في فعاليات ثقافية وسياحية، منها زيارة الأهرامات وأبو الهول في الجيزة والرحلة إلى الأقصر وزيارة وادي الملوك والمعابد الفرعونية، ما يعكس تقدير مدريد للبعد الحضاري العميق لمصر ويؤكد الروابط التاريخية والثقافية بين البلدين.
ومن هنا تكون الزيارة قد حققت العديد من النتائج والإنجازات المهمه فقد تم توقيع اتفاقيات شراكة تنموية بين مصر واسبانيا للفترة 2025‑2030 ركزت على تعزيز التنمية المستدامة، الطاقة المتجددة، البنية التحتية، إدارة المياه، وتمكين المرأة، وعزز المنتدى الاقتصادي المصري – الاسباني فرص الاستثمار، بينما أكد الملك دعمه للقضايا الإنسانية والسياسية، وخصوصًا الحل العادل للقضية الفلسطينية. كذلك، أسهمت اللقاءات البرلمانية في فتح آفاق التعاون التشريعي بين مصر وإسبانيا، بينما أكدت الجولة الثقافية أهمية البعد الحضاري وتقدير اسبانيا للحضارة المصرية العظيمه مما عمل على تعزيز العلاقات بين البلدين. فى كافة المستويات.
والجدير بالذكر أن العلاقات التاريخية بين مصر واسبانيا تمتد إلى قرون منذ فترة الأندلس التي شهدت تفاعلًا حضاريًا وثقافيًا بين العالم العربي والاسباني مرورًا بالتبادلات التجارية والدبلوماسية في العصر الحديث وصولًا إلى الشراكات الاقتصادية والثقافية والسياسية التي تتطور اليوم، والزيارة عززت هذه الروابط التاريخية، وأكدت أن مصر واسبانيا يشتركان في رؤية استراتيجية لمستقبل التعاون على الصعيدين الإقليمي والدولي وأن هذه الزيارة ليست مجرد حدث بروتوكولي، بل محطة أساسية لترسيخ شراكة مستدامة تعكس التقاء المصالح والالتزام بالقيم الإنسانية والسياسية المشتركة.
تجاوزت زيارة الملك فيليب السادس لمصر الطابع الرسمي لتصبح رسالة سياسية واستراتيجية إلى العالم العربي والدولي. فهي لم تقتصر على تعزيز العلاقات الثنائية بين القاهرة ومدريد، بل حملت دلالات واضحة على التزام اسبانيا بالقضايا العربية وخصوصًا القضية الفلسطينية ودعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ضمن إطار حل الدولتين، مع التركيز على حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية.
وعلى المستوى الاقتصادي مثلت الزيارة منصة لتعزيز الاستثمارات الاسبانية في مصر وفتح أفق تعاون طويل الأمد في مجالات الطاقة المتجددة والبنية التحتية والسياحة ما يؤكد قدرة القاهرة على جذب شركاء استراتيجيين ذوي خبرات أوروبية متقدمة. كما أبرزت الزيارة البعد الثقافي والحضاري للعلاقات، من خلال زيارة الأهرامات والأقصر ووادي الملوك، في رسالة رمزية عن تاريخ طويل من التبادل الثقافي والحضاري بين مصر واسبانيا.
وسياسيًا، حملت الزيارة إشارات دعم مصر كقوة إقليمية قادرة على جمع الأطراف وتقديم مبادرات سلام، بما يعكس المكانة المحورية للبلاد في المنطقة. كما أظهرت أن العلاقات المصرية‑ الاسبانية قائمة على شراكة متوازنة تجمع بين العمل العملي والتفاهم السياسي والثقافي، وأن مدريد لا ترى مصر مجرد شريك اقتصادي، بل محور استراتيجي لضمان استقرار المنطقة وتعزيز الحوار بين أوروبا والدول العربية.
وبناءً على ذلك يمكن اعتبار زيارة الملك فيليب السادس محطة محورية في مسار التعاون المصري‑ الإسباني، إذ جمعت بين الأبعاد الإنسانية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وأكدت قدرة البلدين على صياغة نموذج للتعاون متعدد المستويات، يحترم التاريخ ويستشرف المستقبل، ويرسخ مكانة مصر كقلب المنطقة النابض بالاستقرار والشراكة الدولية، بينما تعكس موقف اسبانيا كقوة إقليمية مهمة كداعم فاعل للقضايا العربية والحقوق المشروعة لشعوبها.
تؤكد زيارة الملك فيليب السادس لمصر أن تعزيز العلاقات بين مصر والعالم العربي من جهة، والدول الغربية الصديقة والقوية من جهة أخرى، أصبح ضرورة استراتيجية في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية المضطربة. فمصر والمنطقة العربية تواجه تحديات معقدة تشمل النزاعات الإقليمية، الأزمات الإنسانية، والضغوط الاقتصادية، ما يجعل الشراكات الدولية والدبلوماسية الفاعلة مفتاحًا للحفاظ على الأمن والاستقرار.
ويجب التأكيد أيضا أن التجارب الأخيرة سواء بالنسبه لمصر أو العالم العربى أظهرت أن التعاون مع القوى الكبرى لا يقتصر على الدعم الاقتصادي فقط، بل يشمل أيضًا التنسيق السياسي والحوار الأمني والمساندة في القضايا الإنسانية والسياسية بما يعزز قدرة الدول العربية على مواجهة التحديات وحماية مصالح شعوبها. لذلك تشكل زيارة الملك الإسباني نموذجًا عمليًا للتعاون المثمر، ودرسًا في أهمية بناء جسور تواصل مستدامة مع الدول الصديقة بما يخدم مصالح مصر والمنطقة العربية، ويؤكد على قدرتها على لعب دور فاعل على الساحة الدولية مع المحافظة على سيادتها واستقلال قراراتها الاستراتيجية.
ومن المتوقع أن يؤدي الاعتراف الإسباني بفلسطين إلى تشجيع دول أوروبية أخرى على اتخاذ خطوات مماثلة، ما يمنح العرب ورقة ضغط جديدة في الساحة الدولية.
كما أن تعزيز التعاون العربي – الاسباني يمكن أن يخلق محورًا جديدًا في المتوسط، يقوم على التنمية المشتركة والأمن والاستقرار.
اكتشاف المزيد من جورنال أونلاين
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.