
السماء ملبدة بالسحب القاتمة والغيوم، وتقارير الأرصاد الجوية تفيد أنها أيام غير عادية على بلادنا الدافئة معظم أيام السنة!
هرع إلى مقهى الحي بالكوربة – مصر الجديدة، يمعن النظر في وجوه الجلوس… ها هو يجلس في المقدمة، ينتظر الطلب.
سائق سيارة ملاكي يستخدمها كسيارة أجرة، رجل بالمعاش شاب شعر رأسه من مهنته، الكل يعرفه ويقدره.
بمجرد أن رآني، وقف متأهبا، ركبت السيارة، فقال:
– تكملة مشوار أمس؟ نفس المكان؟
فتح السائق المذياع، وأخذ كل منا يصغي في صمت.
“فيركوايز… رجعت الشتوية!”
آه يا فيركوايز… بلادكم جميلة، والشتاء والثلج يضفيان عليها مزيدا من الجمال. وتزداد أعداد السياح حبا في رؤية الثلج وتساقطه في مثل هذه الأيام!
بادره السائق بسؤال:
– هل زرت لبنان يوما؟
– لا، ولكن أتمنى ذلك!
– هل يمكن أن أطلب منك طلبا كبيرا؟
– طلبك مقبول، تفضل!
– أريد أن أتعلم قيادة السيارات على يديك، فكلما طلبت من والدي ذلك، لاذ بصمت رهيب، كأنه لم يسمعني، وعندما أعيد الطلب، يعيد الصمت أيضا!
– والدك يحبك جدا… جدا!
– كيف عرفت؟
– قيادة السيارة خطر كبير، لا يتحمل خطأ واحدا، لا من السائق، ولا من السيارة، ولا حتى من غيرك!
يجب أن تعرف أن مفتاح السيارة هو مفتاح السجن!
– أفهم ما تقول، ولكن هل نلغي روح المغامرة منا؟
الأطفال، والصبية، والنساء أصبحوا يقودون، ليس فقط السيارات الملاكي، بل التاكسي، والميكروباص، والشاحنات!
– هذا يحتاج إلى تدريب شاق قبل أن يفكر أي إنسان في القيادة!
– نعم، ولذلك أريد تعلمها على يديك، فأنت خبير، والتعليم على يد خبير يؤتي ثماره!
– تحتاج إلى سيارة ومكان، وأنا أحتاج إلى تفرغ.
– السيارة موجودة، والمكان نبحث عنه، والتفرغ له مقابل مادي، طبعا!
– هل تقصد سيارتي أم سيارة والدك؟
– لا، أريد أن يكون كل شيء في الخفاء، دون أن يشعر أبي بشيء!
– ولكن سيارتي أعمل عليها، وأي عطل فيها سيكلفني كثيرا، وأستحي أن أطلب منك تعويضا!
(ضحكا سويا)
– أراك تتهرب بذكاء، مثل أبي!
– والدك معه حق… اصرف النظر عن الموضوع!
– ساعة واحدة في يوم إجازتي، وسأتبع كل تعليماتك كتلميذ مجتهد!
– أنت عزيز علي… ابحث عن غيري!
– كل الصفات تتوفر فيك… وأنا أريد أن أتعلم بأمانة وإخلاص.
– ولكن سيارتي متهالكة، ومصدر رزقي. أنصحك أن تنسى هذا الموضوع… بلدنا مزدحمة جدا، تجعلك تكره يوم تعلم القيادة! متاعب من كل جهة، حتى لو كان كل شيء ميسورا، فخطأ الآخرين محسوب عليك!
تمشي على القانون، فإذا بمن يصطدم بك من الخلف، أو أثناء السير، أو حتى وأنت واقف في أمان!
تخيل، قبل وصولك، والسيارة أمامي، كانت سيارة تسير عكس الاتجاه، على بعد خطوات قليلة، كادت تلمس سيارتي وتسبب لي مشكلة!
– وما الذي جعله يسير عكس الاتجاه؟
– يريد تخصير الطريق… ليوفّر الوقت والوقود!
– أكره البخل والبخلاء!
وصلوا إلى المكان، وانتظره السائق في سيارته، وما هي إلا دقائق حتى رجع، فعادا سويا بسرعة، فالطريق كان شبه خال.
عاد إلى مكتبه، وجلس يفكر في حواره مع السائق المخضرم…
أيمكن أن يدخل السجن لتعلمه القيادة؟ بسبب إهمال، أو غفلة، منه أو من غيره؟
ولكن الخوف يقتل فينا روح المغامرة، وروح التطور… لولا التعليم الجيد، لما تقدمنا خطوة!
دول كثيرة سبقتنا، لأنها لم تقتل هذه الروح فيها.
حكى لزميلته حواره مع السائق…
فقالت:
– عندما يتوفر الضمير، ستتغير الأشياء إلى الأفضل… داخلنا وخارجنا، وكل ما نحتاجه هو: الضمير!
عادت السماء إلى حالتها الطبيعية… وأشرقت الشمس من جديد، تكذب تقارير الأرصاد الجوية!
اكتشاف المزيد من جورنال أونلاين
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.