
تمثل الجبهة العربية لتحرير الأحواز، التي تحتفل هذا العام بالذكرى الخامسة والأربعين لتأسيسها، أحد أبرز نماذج المقاومة السياسية المستدامة في الشرق الأوسط؛ فمنذ ظهورها عام 1980، استطاعت هذه المنظمة الحفاظ على خطها النضالي بمنهجية مدروسة، وضبط البوصلة السياسية في بيئة إقليمية متقلبة، وتبني خطاب سياسي متوازن يجمع بين الثوابت الوطنية والواقعية السياسية.
ظهرت الجبهة العربية لتحرير الأحواز في لحظة تاريخية فارقة، تزامنت مع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت لثمان سنوات (1980-1988). وفي تلك الظروف الاستثنائية، برزت الجبهة كمشروع سياسي منظم يدافع عن حقوق الشعب العربي الأحوازي ويطرح رؤية واضحة للتحرر والاستقلال.
يلفت المؤرخ الفرنسي بيير رازو (Pierre Razoux) في كتابه “الحرب الإيرانية العراقية” (The Iran-Iraq War) الصادر عن دار بلكناب التابعة لجامعة هارفارد عام 2015، النظر إلى أهمية هذه اللحظة التأسيسية في تاريخ الجبهة.
ما يميز تجربة الجبهة العربية لتحرير الأحواز، هو قدرتها على بناء عمل سياسي منظم يتجاوز ردود الأفعال العاطفية. فعلى مدى أربعة عقود ونصف، التزمت الجبهة بنهج سياسي يقوم على عدة مرتكزات أساسية:
– أولاً، التمسك بالهوية الوطنية الأحوازية كأساس للعمل السياسي، ورفض محاولات الذوبان أو الإلحاق بمشاريع أخرى.
– ثانياً، الاستقلالية في القرار السياسي ورفض الارتهان للخارج.
– ثالثاً، الإيمان بالنضال الدبلوماسي والسياسي كأداة رئيسية في تحقيق المطالب المشروعة للشعب الأحوازي.
تشير المشاهدات الميدانية التي وثقها رازو، إلى أن هذه المنهجية أسهمت في تعزيز مصداقية الجبهة محلياً ودولياً، وحمايتها من الإنزلاق نحو مسارات قد تضر بالقضية الأحوازية أكثر مما تنفعها.
الإعتراف الأكاديمي
تثبيت المشروعية يكتسب نضال الجبهة العربية لتحرير الأحواز مشروعية متزايدة في الأوساط الأكاديمية العالمية. فوجود كتاب بيير رازو في مكتبات كبرى الجامعات العالمية مثل هارفارد وأكسفورد وكامبريدج، بالإضافة إلى مكتبة الكونغرس الأمريكي والعديد من الجامعات الأوروبية، يُعد مؤشراً على تنامي الإعتراف الأكاديمي بعدالة القضية الأحوازية.
هذا الإعتراف الأكاديمي ليس ترفاً فكرياً، وإنما خطوة أساسية في بناء قاعدة معرفية رصينة تدعم القضية الأحوازية وتقدمها للعالم بصورة موضوعية، بعيداً عن التشويه الإعلامي الممنهج الذي يمارسه النظام الإيراني.
تواجه الجبهة العربية لتحرير الأحواز اليوم تحديات متعددة، أبرزها التطورات المتسارعة في المشهد الإقليمي والدولي، واستمرار سياسات التهميش والتفريس التي تمارسها السلطات الإيرانية ضد الشعب الأحوازي.
تقدم تجربة الجبهة العربية لتحرير الأحواز نموذجاً يستحق الدراسة في ثبات المبادئ وتطور الأدوات النضالية. فبعد ٤٥ عاماً من التأسيس، استطاعت الجبهة الحفاظ على حيوية القضية الأحوازية رغم كل محاولات التهميش والتغييب، وتمكنت من مد جسور التواصل مع المجتمع الدولي رغم كل العقبات. إن استمرار هذه التجربة النضالية دليل على عمق جذور القضية الأحوازية وشرعية مطالبها. وتبقى الرهانات على قدرة الجبهة على تطوير أدواتها وتوسيع دوائر تأثيرها، للإنتقال بالقضية الأحوازية إلى آفاق أرحب تضمن لها الحضور الفاعل في المشهد السياسي الدولي.
اكتشاف المزيد من جورنال أونلاين
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.