منوعات

سنة 1582

المغرب :جواد مالك

أحدث الأخبار
مؤشرات الأسواق العالمية

في أكتوبر من عام 1582، شهد العالم حدثًا فريدًا يتمثل في اختفاء عشرة أيام كاملة من التقويم، حيث تم اعتماد التقويم الغريغوري بدلاً من التقويم اليولياني، وذلك بأمر من البابا غريغوريوس الثالث عشر. كان السبب الرئيسي وراء هذا التغيير هو تصحيح خطأ متراكم في حساب الزمن في التقويم اليولياني، الذي تم العمل به منذ عهد يوليوس قيصر في عام 45 قبل الميلاد. التقويم اليولياني اعتمد على حساب السنة بطول 365.25 يومًا، مع إضافة يوم كل أربع سنوات فيما يُعرف بالسنة الكبيسة. ورغم دقته النسبيّة، إلا أنه كان يعاني من خطأ بسيط حيث أن السنة الشمسية الحقيقية تبلغ حوالي 365.2422 يومًا، مما يعني وجود فرق طفيف يتراكم بمرور الزمن.

مع مرور القرون، تراكم هذا الخطأ ليصبح الفرق حوالي عشرة أيام بحلول القرن السادس عشر. وكانت لهذا التأخير آثار كبيرة، خاصة على الكنيسة الكاثوليكية التي تعتمد على الاعتدال الربيعي لتحديد موعد عيد الفصح. فوفق التقويم اليولياني، كان الاعتدال الربيعي الذي يُفترض حدوثه في 21 مارس قد تراجع إلى 11 مارس. هذا التغيير أضر بدقة حسابات الكنيسة، خاصة فيما يتعلق بالأعياد الدينية المهمة.

في عام 1582، قرر البابا غريغوريوس الثالث عشر إجراء تعديل جوهري على التقويم. بموجب المرسوم البابوي المعروف باسم “Inter gravissimas”، تم حذف عشرة أيام من التقويم، بحيث أصبح اليوم التالي لـ4 أكتوبر 1582 هو 15 أكتوبر 1582. كما تم تعديل نظام السنوات الكبيسة لضمان دقة أكبر، حيث تقرر أن تكون السنة كبيسة فقط إذا كانت تقبل القسمة على 4، مع استثناء السنوات القابلة للقسمة على 100 وغير القابلة للقسمة على 400. على سبيل المثال، كانت سنة 1600 كبيسة، بينما سنة 1700 لم تكن كذلك.

التغيير كان يهدف إلى إعادة التقويم إلى موقعه الصحيح بالنسبة إلى الدورة الشمسية، بحيث يتزامن الاعتدال الربيعي مجددًا مع 21 مارس كما كان مقررًا في مجمع نيقية عام 325 ميلادي. الدول الكاثوليكية مثل إيطاليا وإسبانيا والبرتغال وفرنسا تبنت الإصلاح على الفور في أكتوبر 1582. لكن الدول البروتستانتية والأرثوذكسية كانت أكثر تحفظًا وتأخرت في اعتماده. بريطانيا ومستعمراتها لم تعتمده إلا في عام 1752، حيث حُذفت 11 يومًا من التقويم آنذاك، بينما اعتمدته روسيا فقط في عام 1918 بعد الثورة البلشفية، واليونان في عام 1923.

إصلاح التقويم الغريغوري لم يكن مجرد تعديل فني، بل كان قرارًا ذو أبعاد دينية وسياسية وعلمية. رغم انتقادات البعض الذين رأوا فيه تدخلاً كاثوليكيًا، إلا أن هذا الإصلاح أصبح مع مرور الوقت معيارًا عالميًا. اليوم، يُعتبر التقويم الغريغوري النظام الأكثر استخدامًا عالميًا، وهو مثال حي على قدرة البشرية على تصحيح الأخطاء وضبط علاقتها بالزمن. هذا الحدث التاريخي لا يمثل فقط لحظة حاسمة في تنظيم الزمن، بل يعكس أيضًا التفاعل بين العلم والدين والسياسة في خدمة الحضارة.


اكتشاف المزيد من جورنال أونلاين

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

هانى خاطر

الدكتور هاني خاطر حاصل على درجة الدكتوراه في السياحة والفندقة، بالإضافة إلى بكالوريوس في الصحافة والإعلام. يشغل حالياً منصب رئيس الاتحاد الدولي للصحافة العربية وحقوق الإنسان في كندا، كما يتولى رئاسة تحرير موقع الاتحاد الدولي للصحافة العربية وعدد من المنصات الإعلامية الأخرى. يمتلك الدكتور خاطر خبرة واسعة في مجال الصحافة والإعلام، ويُعرف بكونه صحفياً ومؤلفاً متخصصاً في تغطية قضايا الفساد وحقوق الإنسان والحريات العامة. يركز في أعماله على إبراز القضايا الجوهرية التي تمس العالم العربي، لا سيما تلك المتعلقة بالعدالة الاجتماعية والحقوق المدنية. طوال مسيرته المهنية، قام بنشر العديد من المقالات التي سلطت الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات التي تطال الحريات العامة في عدد من الدول العربية، فضلاً عن تناوله لقضايا الفساد المستشري. ويتميّز أسلوبه الصحفي بالجرأة والشفافية، ساعياً من خلاله إلى رفع الوعي المجتمعي والمساهمة في إحداث تغيير إيجابي. يؤمن الدكتور هاني خاطر بالدور المحوري للصحافة كأداة فعّالة للتغيير، ويرى فيها وسيلة لتعزيز التفكير النقدي ومواجهة الفساد والظلم والانتهاكات، بهدف بناء مجتمعات أكثر عدلاً وإنصافاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا